أمي وما أدراك ما أمي ..
كنت دائما أتحضر للقائها وأنا في حافلة المدرسة عائدا للبيت.. أفكر فيها طوال الطريق..
أفكر بابتسامتها ومحياها الذي أتذكره كل لحظه من لحظات حياتي في السراء
والضراء..لا تفارقني أبدا ..أصدقائي يخاطبوني بحديثهم لا أسمع لهم ولا أبصر..حتى
في حصة المدرسة أفكر فيها..أتذكر عندما تمازحني..أتذكر عندما آاتيها باكيا شاكيا من
ظلم الدنيا..تضمني بحضنها.. باختصار حضنها كان ينسيني كل مساوئ الدنيا..في بعض
الحينات وأنا في غرفتي أطل من نافذتي متجسسا لرؤيتها وهي تقوم بتنظيف البيت أراها
تمسح جبينها من التعب يحترق قلبي كثيرا.. آااه يا أمي !!..
تربينا أنا وأخي وأختي منذ صغرنا على حبها ويعلم الله تعالى بأننا لم نألوا تقصيرا في ذلك
الحب..رغم اختلافاتنا نحن الثلاثة الا أن احترامها فوق كل تلك الاختلافات..
أخي الذي يكبرني 5 سنوات كنت أختلف معه كثيرا.. وأختي التي تكبرني سنة ونصف
أيضا لم تنجوا من تلك الاختلافات.. ولكن عندما تحين الساعة 7 مساءا تتصافى القلوب
فيما بيننا وكأن لم يحدث شيئا.. لأننا في تلك الساعة بالتحديد نتهيأ للسهرة مع والدتنا
تحت أضواء القنديل الخافت والذي يترنح لهيب النار فيه يمينا وشمالا ليرسم أشكالا
هندسية بديعه جميلة على جدران الغرفة في تلك الظلمة..
نستمتع لقصص والدتي..سبحان الله تظل صامده لنهاية القصة التي ترويها بالرغم من
تعبها جراء العمل المنزلي الا أن تلك الليلة كانت تعتبرها مهمة لنا..فلا تغفوا عيناها الا
بعد أن تتأكد بأننا نحن الثلاثة قد غلبنا النعاس ..
((فداك عمري يا أمي..كم أحبك يا سيدتي وكم انحنت الزهور حياءا أمام ابتسامتك..))تعودت أثناء رجوعي من المدرسة أن تستقبلني والدتي بكل شوق وهي تدلعني بقولها
تعال يا حبيبي اليوم مشتاقتلك أيش سويت اليوم في المدرسة ؟
فأرد لها حديثا يطيب لمسامعها وحتى ولو كنت مستاءا من أمرا صغيرا كان أم كبيرا الا
أنني دائما أتحاشى اخبارها.. تهمني راحتها كثيرا..
دمعة أمي :لعمري لم أعهد يوما عصيبا كمثل ذلك اليوم الذي رأيته بعيناي.. كم تمنيت بأن يمتني
ربي تلك الحينة لم تتحمل رجلاي وقوفا ناظرا لتلك الدمعات تتساقط من عيناها..
وقعت أرضا لأشارك أخواني حضنهم لها..أذكر أنني كنت أشغل حيزا كبيرا من
حضنها طمعا..الا أنني أحسست بأن ذلك الحيز لم
يكفيني..فالكل أصبح يتنافس لشغل أكبر حيز لملامسة صدرنا لدفئ حضنها !!
ذلك اليوم عندما فتحت باب المنزل الخارجية شعرت بأن المنزل غريب وكأن ليس به أحدا !! لم تكن والدتي في المطبخ كالعادة !!
تابعت خطواتي لعريش المنزل تفاجأت بجدتي والدة أبي تبكي وكأنها تنعي أحدا !!
سمعت صوت بكاء من غرفة أمي..أحسست بمصيبة وفاجعه في المنزل.. تابعت جريا لغرفة
أمي..وجدت الجميع يبكي ..أمي وأخي وأختي..توقف نبض قلبي لم أحسس بأية
نبض..كانت أمي تطل للنافذة وأنا خلفها.. لم تحس بحضوري.. وقعت جميع الكتب التي
كنت أحزمها..وقعت من يداي..جريت أشارك أخواني حضنها..بكيت ولا أعلم ما
السبب..قبل أن أستجوب الجميع..وجدت ظرف رسائل وصور أناس لم أرهم من قبل
ورسالتين الأولى باللغة العربية والثانية بلغة لم أفقهها حقيقة!!. قبلت رأسها باكيا بنحيب ..
حبيبتي ما بك ؟ قولي لي من مضايقنك ؟
والله لأجعلنه آسفا لك قولي لي..مسحت دموعها ..قلت لها : أماه حبيبتي ما بك ؟ رفعت
رأسي لأخواني صرخا : ما بكم أيها الباكون؟ لماذا الجميع يبكي ؟ ولما كل تلك الرسائل
ولمن تلك الصور؟ أخبروني بالله عليكم .. أجابتني شقيقتي قائلة : أمك العودة اللي ندورها توفت !
رددت عليها : أمي العودة ؟ جدتي ؟!! أين هي ومتى توفت ؟
هل تقصدين جدتي ؟ لماذا تقولون بأنها توفت ..وأنا مررت عليها هي الأخرى تبكي في
غرفتها قبل أن أدخل هنا !!
أخذت أختي صورة من تلك الصور وقالت : هذه هي جدتك أم والدتك التي كنا نبحث عنها ..ركزت كثيرا
على تلك الصورة كانت تشبه أمي..بكيت وسقطت باكيا في حضن والدتي أنا الاخر ..
أمي من هاذه؟ أمي هل صدقا هذه والدتك التي لم ترينها منذ صغرك أم هناك من أراد أن
ينتزع سعادتك معنا ؟ من أين أتيتم بكل هذه الصور ؟ قال لي أخي: أقرأ هذه الرسالة !
أنتزعتها من يداه.. قرأتها بكثير من التركيز .. قرأتها..تشنج جسمي !!
سبحان الله !!